البطاقة الشخصيّة

صورتي
Galka'yo, Puntland, Somalia
من أرض فيها الدم رخيص الحقد فيها متأصل والدمع شاهد أعمى ولكني أعشقها ...
Powered By Blogger

بحث هذه المدونة الإلكترونية

قائمة المدونات الإلكترونية

26 نوفمبر 2010

الكراهيّة أو القبيلة!


القبيلة:
القبيلة شكل من أشكال النّظام الاجتماعي البشريّ، لا يمكن إنكار وجوده، كما أنّها جزء من تركيبة بعض الشّعوب، مثل الشّعب الصومالي، فكلّ صومالي ينتمي بالضّرورة إلى قبيلة ما، وبالتّالي يشارك إمّا إيجاباً أو سلباً في شئون القبيلة، كما أنّ القبلية وهذا التّركيب الاجتماعي هو الذي أدّى إلى التّكافل بين أبناء القبيلة في زمن الشّدة، فكم من يتيم أنشأه أقاربه، فتعلّم وعلّم، وأصبح شئياً مذكوراً؟  وكم من فقير انتشله أبناء عمومته فأطعموه وكسوه، في ظلّ غياب حكومة ترعاه وتخصصّ له من ريعها ما يقيم أوده!
فالقبيلة بحدّ ذاتها ليست شرّاً مطلقاً علينا لعنه والدّعاء عليه، بل أوجدها الله لحكمة ذكرها في القرآن الكريم في آية يرددّها الجميع، ألا وهي التّعارف.
القبلية:
هذه هي الإشكالية التي علينا أن نتفق عليها، ما هي القبليّة؟ هل يكون المرء قبليّاً حين يسأل غيره عن قبيلته وخاصّة لو كانا من مجتمع يعتمد القبيلة كنظام اجتماعي؟ أم أنّ القبليّة هي أن تكره وتحب من أجلها؟ أم ماذا؟
ليست الإشارة إلى أحداث الماضي وتوثيق ما حصل أثناء الحرب الأهليّة منذ 1991م قبليّة، وليس الحديث عن جزء من الصومال أيّاً كان قبليّة، وليست محبّة قرية أو بلدة صومالية إلى حدّ التّغزّل بها عيباً.
القبليّة ليست أن يسأل الوالدان عن قبيلة من يتقدّم لابنتهم، ولا حتّى التّعرف على قبائل من تتعرّف عليه من أبناء الصومال قبليّة أو خطأً!
القبليّة هي أن تعادي الاخرين لأنهم منتمون لقبيلة تختلف عن قبيلتك، أو تحتقر غيرك لأنّك تؤمن أنّ قبيلتك أرفع من قبيلتهم... ألم يقل الله بعد ذكر الحكمة من خلقنا شعوباً وقبائل:(إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم)!
المثقفون الصوماليون والقبليّة:
درج المثقفون وأصحاب الرأي الصوماليون على لعن القبيلة ودعوا إلى التّنكر للأساس الذي نشأ عليه المجتمع الصومالي، دون طر ح بديل، أو تدرّج، فجُعِلت القبيلة مرادفاً للقبليّة، وقد أدّت هذه الدّعوة إلى منع توثيق الماضي والتّاريخ، حتى أنّ البعض بالغ في الأمر، إلى حدّ الرّبط بين المدن والقبيلة/أو القبليّة!! فقد كان لي تجارب طريفة أثناء عملي كمترجمة في المفوضيّة السّاميّة لشئون اللاجئين التّابعة للأمم المتحدة في ماليزيا، حيث أجاب عدد من طالبي اللجوء الصوماليين حين سئلوا عن مكان ميلادهم: ( لا أريد أن أتحدّث في أمور قبليّة)! وذلك في توافق مثير للدّهشة، إذ لم أفهم ما الرّابط بين ذكر مكان الميلاد والقبلية؟
بعد إنكار الأصل ومحاربة التركيبة الاجتماعية، وبعد أن اعتنق بعض الصومالين فكرة أنّ المدن والبلدات التي ولدوا فيها أو ولد فيها آباؤهم، ما هو إلاّ جزء من القبليّة! جاءت قصّة ( أربعة ونصف) كحلّ أو طريقة لتقاسم السّلطة!!!
وهنا برز من المتعلّمين من ينكرها بدعوى أنّها ترسّخ التفكيك في المجتمع وتعمّق القبليّة، وكالعادة دون طرح البديل المناسب، ولم يشر أحدٌ منهم إلى أنّ الأقلية لا تعني بالضرورة الاحتقار أو التمييز، ولا تعني كذلك التّعداد السّكاني لهذه الأقليّة.
وهكذا لا يتعب المثقف الصومالي من تضليل الشّعب في إقناعه أنّ كلّ شيء خطأ وغير مقبول، من غير أن طرح حلول بديلة!!


القبليّة سلاح:
يميل الإنسان الصومالي إلى اتّهام من يختلف معه بالقبليّة، لأنّه نشأ على أنّ الآخر عدّو له حتّماً، ولا يرى أنّ الله خلق النّاس مختلفين أصلاً: ( ولا يزالون مختلفين)! فإن لم يعجبه رأي أو أحسّ أنّه يتّصف بما ذكر  في مقال أو قصّة أيّاً كان، فصاحب الرأي قبليّ حتّماً!!

ما هي المشكلة؟  
 النّظام القبليّ موجود في دول كثيرة، ولا تعيش مثل مأساة الصومال، لأنّ الفرق شاسع بين مثقفي الأقطار الأخرى وبين مثقفينا، وقد مرّ الصوماليون بتجارب حروب قبليّة ولكنّها لم تكون مارثونيّة كالتي نمرّ بها. فما هي المشكلة؟
المشكلة هي الكراهية التي تستوجب السّلوكيّات العدوانية والرّغبة في إلغاء الآخر بأي ثمن، ويرى من يعتنق الكراهية أنّ الآخر خطر، والاختلاف يعيق التعايش ويستخدم هذه المنهجيّة حسب ملائمتها، وأذكر قصة غريبة حصلت في مدرسة ابتدائية في دمشق في التّسعينات، إذ تشاجر تلميذ صومالي في الثّامنة من عمره مع زميل له سوريّ الجنسيّة، فبعد أن سمعت المعلّمة الطرفين وجدت الطفل الصومالي مذنباً، فعاقبته فأثار مشكلة كبيرة واتّهم معلمته بالانحياز لزميله السّوري، لا لأنّهما سوريّان بل لأنّه مسلم وهي مسيحيّة!!!
والغريب أنّ والدته احتجت وشكت المعلّمة إلى المديرة ممّا دعى المديرة إلى طرد الطفل الصومالي لأنّه يثير فتنة طائفية ورفضت المدرّسة قبول شفاعة أولياء أمور صوماليين آخرين قالوا أنّه مجرد طفل!!
هذا الطفل ولد في السّعوديّة ونشأ في سوريا ولكنّه صومالي في النّهاية، استخدم ما نشأ عليه بذكاء بعد أن عرف أن الطفل السّوري والمديرة مسلمين، لجأ إلى تبرير الأمرعلى أساس أنّ كون معلمته مسيحيّة جعلها تعاقبه دون وجه حق!
ربما كان على المثقف الصومالي أن يراعي ضميره، ويأخذ بيد الشّعب إلى برّ الأمان من خلال ترسيخ روح المواطنة، وأن يتوافق قوله وفعله في لعن القبليّة والتي تعني _ الكراهية والمحبة_لأجل الانتماء القبلي، بدل التشدّق برفض( القبيلة من أصلها)، وممارستها على الغير، فقد رأيت بعض المسئولين يوظّفون أبناء قبيلتهم وإن لم يكونوا مؤّهلين على حساب ذوي الكفاءة من القبائل الأخرى، أو يقدّمون أبناء قبيلتهم مع عقدهم ندوات لشجب القبيلة!!!
والدّليل انتقال هذه الرّوح إلى أعضاء الحركات الإسلامية، وانقسامهم، وطعن بعضهم في بعض، فروح التّعصب والتنازع بينهم تشبه إلى حدّ ما العصبيّة القبليّة، ولأنّ هؤلاء لم يروا جمال أن يتعايش المختلقون!

ختاماً
أعتقد أنّ القبيلة يمكن استثمارها لإحلال السّلام في الصومال، إذ لكلّ شيء وجهان_إيجابي وسلبي_ في حال أظهر المثقفون رغبة في ذلك، وأوجدوا حلولاً بدل الاصرار على قول ما لن يفعلوه! 
 وشكراً.... !